“البجعة السوداء” وصلت إلى بوتين. لماذا يهاجم داعش روسيا؟

البجعة السوداء تصل الى بوتين

“البجعة السوداء” وصلت إلى بوتين.

لماذا يهاجم داعش روسيا؟

ايغور سيميفولوس - مدير مركز دراسات الشرق الاوسط

ايغور سيميفولوس

مدير مركز دراسات الشرق الاوسط – كييف

ترجمة و اعداد مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية

31/3/2024

المصدر

ДО ПУТІНА ПРИЛЕТІВ «ЧОРНИЙ ЛЕБІДЬ». ЧОМУ ІДІЛ АТАКУЄ РОСІЮ?

أصبح الهجوم الإرهابي الذي حدث في “Crocus City Hall” في 22 مارس، بلا شك، “البجعة السوداء” للكرملين والأكثر دموية في تاريخ حكم دكتاتور الكرملين بأكمله. لقد مرت أكثر من عشر سنوات منذ آخر هجوم إرهابي كبير في العاصمة الروسية. يبدو أن كل شيء قد انتهى: انتهت الحرب الشيشانية الثانية، وتم القضاء عمليًا على الحركة الإسلامية السرية. لقد أقنع بوتين عامة الناس بأن التهديد بوقوع أعمال إرهابية واسعة النطاق أصبح شيئاً من الماضي، وأن النظام يتمتع بقبضة آمنة على الوضع الأمني. ومع ذلك، ظهر لاعب جديد.

بالنسبة لتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي (داعش)، من حيث المبدأ، لا يوجد فرق كبير بين مكان تنفيذ هجوم إرهابي وضد من. والمعيار الرئيسي هنا هو الجهاد ضد أولئك الذين يمثلون الأعداء، وفقا لمنظري تنظيم “داعش”. وفي الواقع فإن الأغلبية المطلقة من ضحايا هذا التنظيم هم من المسلمين أنفسهم، الذين اعتبرهم الإرهابيون، لسبب أو لآخر، مرتدين عن العقيدة “الحقيقية”. وعلى الرغم من أن الهدف النهائي يجب أن يكون إقامة خلافة عالمية، إلا أن الأهداف الواقعية أكثر تواضعا ــ توحيد جميع الأراضي التي يشكل المسلمون أغلبية سكانها في دولة واحدة تحت قيادتهم. وعلى هذا فكل من يمنعهم من ذلك فهو من دار الكفر. بمعنى آخر، الجميع باستثناء أنصار تنظيم “الدولة الإسلامية” نفسه. هذه الأيديولوجية الصارمة المتطرفة ليست من اختراع تنظيم الدولة الإسلامية. وتمارسه جماعات جهادية إسلامية أخرى ذات أهداف مماثلة. ويتميز تنظيم “الدولة الإسلامية” عنهم بسبب قسوته المتطرفة.

لا يمكن لهذا التنظيم أن يحقق أهدافه إلا في ظروف تراجع الدولة أو الضعف الكبير للحكومة المركزية، عندما تكون الأجهزة الأمنية غير قادرة على الحفاظ على نظام فعال لمكافحة التجسس. بعد ظهوره في العراق الذي مزقته الحرب، وسط مواجهة بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية، رأى تنظيم “الدولة الإسلامية” فرصته للنجاح وسط مفاوضات بين إدارة أوباما والحكومة العراقية لسحب القوات الأمريكية. وسرعان ما وسعت قوتها إلى منطقة واسعة من سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية.

يمكن تسمية الفترة 2014-2019 بأوقات صعود وسقوط تنظيم “الدولة الإسلامية”. لكن حتى بعد تدمير وحداته بشكل مباشر على الأرض، لم يختف التنظيم، بل تحول إلى الأساليب التقليدية لمثل هذه الجماعات – الإرهاب الجماعي. وبما أن العالم الإسلامي بأكمله، وليس هو فقط، قد قسمه الجهاديون إلى ولايات أو مقاطعات، بعد أن فقدوا مواقعهم في العراق وسوريا، فقد استمروا في العمل بشكل منفصل، وحافظوا فقط على اتصال “مؤسسي” مع “الخليفة” التالي لتنظيم “الدولة الإسلامية” لمبايعته. إحدى هذه التقسيمات الفرعية هي “ولاية خراسان”، حيث “خراسان الكبرى” هو اسم أراضي أفغانستان وأجزاء من إيران ودول آسيا الوسطى في القرون الوسطى.

أدى الانتصار المفاجئ لـ “طالبان” في أفغانستان إلى تحويل هذه المجموعة إلى مركز مهم. وبحسب ممثلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد تبين أن حركة “طالبان” مسلمة “غير حقيقية”، حيث اقتصرت أنشطتها على حدود أفغانستان فقط، وحاولت إقامة اتصالات مع العالم الخارجي، ولا سيما مع روسيا. علاوة على ذلك، كما نرى، فإن اتصالات طالبان تتطور بشكل مكثف مع موسكو، على الرغم من أن المنظمة نفسها لا تزال محظورة هناك. وروسيا من جانبها مهتمة بأمن دول آسيا الوسطى التي يتعرض استقرارها للتهديد من قبل الإسلاميين. ونتيجة لذلك، تم تشكيل تحالف ظرفي بين موسكو وطالبان، موجه ضد “الدولة الإسلامية في ولاية خراسان”. وبطبيعة الحال، فإن هذا الاتصال ليس هو الاتهام الوحيد ضد الكرملين – بل مشاركة روسيا في الحرب في سوريا، ومساعدة الأنظمة الاستبدادية في آسيا الوسطى، والحرب في القوقاز، والاضطهاد والقمع ضد المسلمين في روسيا نفسها – هذا جزء من قائمة الاتهامات الشاملة.

وكانت آسيا الوسطى منذ فترة طويلة مصدرا لتجنيد مقاتلي تنظيم “داعش” الجدد. ومن المعروف أن المئات، إن لم يكن الآلاف، من هذه الدول قاتلت إلى جانب الجهاديين في سوريا والعراق. وقد مات الكثير منهم، لكن بعضهم تمكن من العودة و الاستقرار، خاصة في أفغانستان. وانتقل بعضهم إلى روسيا مباشرة، والبعض الآخر عبر تركيا أو آسيا الوسطى. ومن الجدير هنا ان نتذكر مفهوم “العملاء المزدوجين”. قامت الخدمات الخاصة الروسية، مثل أي اجهزة أخرى، بمراقبة حركة هؤلاء الأشخاص عن كثب. فمن ناحية، أدى خروج الإسلاميين إلى سوريا إلى تقليل مخاطر ارتكاب أعمال إرهابية داخل البلاد، ومن ناحية أخرى، تطلب الأمر اهتمامًا وتحكمًا مستمرين. تم تجنيد وإعادة تجنيد الآلاف من الإسلاميين، الذين تنقُّلوا بين الشرق الأوسط وروسيا كعملاء مزدوجين، من قبل الأجهزة الخاصة. لقد أصبحوا مصادر للمعلومات القيمة، وتم استخدامهم في إجراءات نشطة، بما فيها ضد بلدنا (أوكرانيا). وهذا الأمر أعطى نتائج. تم إيقاف معظم محاولات تنفيذ الهجمات الإرهابية في روسيا في مرحلة الإعداد لها. لماذا إذن لم يكن من الممكن منع هذا الهجوم الإرهابي؟

صورة من مكان العمل الارهابي في كروكوس سيتي
صورة من مكان العمل الارهابي في كروكوس سيتي

هناك عاملان – الحرب مع أوكرانيا، والحاجة إلى عدد كبير من العمال الاجانب “المتنقلين” في ضوء ذلك. عندما تركز اهتمام وموارد الأجهزة الخاصة في الغالب على الإسلاميين، كان الوضع تحت السيطرة بشكل أو بآخر. بعد بدء الغزو الشامل، واجه نظام بوتين مقاومة داخلية، وأدى منطق الأحداث إلى “تشديد الخناق” في إطار تشكيل نظام شمولي جديد. تحولت هياكل السلطة الروسية إلى تطبيق نظام سياسي جديد، مع إعطاء الأولوية للقمع الجماعي والحملات ضد المعارضين. بالإضافة إلى ذلك، تبين أن التوجهات العملياتية خاطئة: في ظل هذه الظروف، تصرف الإسلاميون كحلفاء لموسكو – طالبان، والحرس الثوري الإيراني، وحماس، والحوثيين، وحزب الله، وجميعهم تحدوا هيمنة الغرب، وبالتالي أصبحوا أصدقاء.

وقد سهلت الحاجة إلى تعبئة المزيد من الجنود في الجيش الروسي (“وقود المدافع”) عملية قوننة أوضاع مئات الآلاف من المهاجرين من آسيا الوسطى. ووفقا لبعض البيانات، يشارك حوالي 100 ألف “عامل مهاجر” من دول آسيا الوسطى فقط في ما يسمى بـ “إعادة إعمار ماريوبول” التي دمرتها القوات الروسية. وكم يوجد في موسكو والمدن الروسية الأخرى؟ من المستحيل إجراء أي تحقق عملي لهذا العدد من الزوار. معظمهم لا يتحدثون اللغة الروسية جيدًا أو لا يتحدثونها على الإطلاق، ويعيشون في تجمعات، ويجتمعون فيما بينهم، في الواقع إنه عالم موازٍ لا تتقاطع معه طرق سكان موسكو إلا في مترو الأنفاق. أضف إلى كل هذا قضايا مثل الفساد، والارتباك الروسي التقليدي، وعدم الاحترام و الازدراء، وكراهية الأجانب والعنصرية – وستحصل على التربة المثالية لإنشاء خلايا “داعش” في روسيا بقدر ما يكفي من المال والدعاة والمشرفين. بالطبع، يمكنك محاولة تغطية الفشل من خلال عمليات الاعتقال الجماعي، ولكن خلال هذه التدابير، تقع في أيدي جهاز الامن الفدرالي فقط الأسماك الصغيرة، التي يمكن استهلاكها إلى حد ما.

حريق مبنى كروكوس سيتي جراء العمل الارهابي
حريق مبنى كروكوس سيتي جراء العمل الارهابي

ولكن لماذا إذن، في ضوء الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن الهجوم الإرهابي نفذه إسلاميون بالقسوة غير المنطقية المتأصلة في مثل هذه الأعمال، يتشبث بوتين والوفد المرافق له بعناد “بمسؤولية أوكرانيا”؟ هذا أمر مفهوم تماما. إن أوكرانيا ليست هنا بمفردها، بل إنها تمثل الغرب، الذي، كما يزعم دكتاتور الكرملين، يشن حربا مع روسيا. فقط مثل هذه “المسؤولية” يمكنها التغطية على أكبر فشل للنظام الأمني ​​الروسي، على الأقل لفترة معينة، حتى وقوع هجوم إرهابي جديد. علاوة على ذلك، لم يتجاهل الروس المعلومات الواردة من الأجهزة الغربية الخاصة حول الإعداد لمثل هذا الهجوم الإرهابي فحسب، بل سخر بوتين منها في اجتماع لجهاز الأمن الفيدرالي. وبعد الهجوم الإرهابي، رفضوا أي تعاون مع الخدمات الخاصة الغربية، على الأقل علناً. وكانت هناك فرصة، كان يمكنه خلق فرص جديدة للتفاعل مع فرنسا. والحمد لله أن مستوى كفائتهم أصبح متدنيا جدا.

لقد ذكرت أعلاه الإجراءات النشطة التي اتخذتها الأجهزة الخاصة الروسية ضد بلدنا ]اوكرانيا[، وذلك باستخدام عملائها بين مقاتلي تنظيم “داعش”. وفي وقت سابق، أجروا عملية ]إعلامية[ لتشويه سمعة جهود أوكرانيا للحصول على الإعفاء من الفيزا لدخول الاتحاد الاوروبي، وروجوا بنشاط لفرضية مفادها أن إرهابيي “داعش” يستخدمون بلادنا للتسلل إلى الاتحاد الأوروبي. للأسف، برزت مرة أخرى في ألمانيا مقالات أعدتها صحفية أوكرانية (روسية سابقا)، بالإشارة إلى مصادر غير مسماة وشخصيات مشكوك فيها. خمن من يفعل ذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *