التهجير القسري يلاحق الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948

التهجير القسري يلاحق الشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948

نبيل السهلي – كاتب فلسطيني

24/3/2024

شدّني عنوان مقالة الأخ الاستاذ نبيل عمرو البارحة على موقع مسار “هجرة الفلسطيني وعودته.. كوميديا سوداء”؛ لألقي الضوء بالأرقام على عملية التهجير القسري التي تلاحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة الكبرى عام 1948. حيث يعتبر طرد الفلسطينيين من وطنهم واحدة من الركائز الأساسية للمشروع الصهيوني، فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، في مذكراته، أن المنظمات والعصابات الصهيونية العسكرية طردت العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والتهجير.

مقدمات الطرد

 تفيد دراسات أن العصابات والمنظمات الصهيونية ارتكبت 34 مذبحةً، أمكن تسجيلها، 24 منها في منطقة الجليل وخمسة في وسط فلسطين وخمسة في منطقة الجنوب، وثمة 17 مذبحة نفذت بوجود القوات البريطانية قبل عام 1948، ومن دون تدخلٍ منها، و17 أخرى ارتكبت بعد إنهاء الانتداب البريطاني. ومن أشهر المذابح دير ياسين ومجزرة الطنطورة، والمجزرة التي ارتكبت في قرية بلد الشيخ قضاء حيفا عروس الساحل الفلسطيني، والصفصاف وعيلوط، وعرب المواسي، لكن أكبرها كانت مجزرة الدوايمة. تبعاً لتلك المجازر، تم طرد 850 ألف فلسطيني في 1948، كانوا يشكلون (61) في المائة من إجمالي الشعب الفلسطيني آنذاك والبالغ مليون وأربعمائة ألف فلسطيني. ليصبح مجموع اللاجئين اليوم نحو سبعة ملايين ونصف المليون لاجىء فلسطيني؛ وتكرر مشهد التهجير القسري الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، المباشر وغير المباشر، في يونيو/ حزيران من عام 1967 في أثناء احتلال الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تم طرد 460 ألف فلسطيني منهما، أصبح مجموعهم، الآن خلال عام 2024 أكثر من مليوني نازح فلسطيني. ولهذا، يمكن القول أن سياسات الترانسفير الإسرائيلية أدت إلى طرد نحو (62) في المائة من مجموع الشعب الفلسطيني، البالغ (14.5) مليون فلسطيني.‏

قضية اللاجئين

من أهم تداعيات النكبة الكبرى قبل نحو ستة وسبعين عاماً، بروز قضية اللاجئين وتغير الخارطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني. وتكشف الحقائق والمعطيات حجم القضية الناشئة، نتيجة الطرد القسري الصهيوني لنحو نصف الفلسطينيين في العام 1948. وفي هذا الإطار، تفيد المعطيات الإحصائية بأن عدد سكان فلسطين بلغ في نهاية الانتداب البريطاني 2.1 مليون نسمة، بينهم 30.9 في المائة من اليهود، و69.1 في المائة هم أصحاب الأرض الأصليين من العرب الفلسطينيين، أي كان هناك 1454 ألف عربي، في مقابل 650 ألف مستوطن يهودي، حتى عشية النكبة في 15 من مايو/ أيار 1948. وقد لوحظ وجود ميلٍ سياسيٍ، في أثناء تقدير اللاجئين، تبعاً لخلفية الباحث، أو الجهة التي أعدت تقديراً حول اللاجئين، وقد راوح التقدير بين 960 ألف لاجئ فلسطيني، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم عام 1949، و940 ألفاً بحسب جامعة الدول العربية، و726 ألفاً، بحسب الأمم المتحدة.

فلسطينيون يحملون أمتعتهم بعد “النكبة” في 15 سبتمبر 1948
فلسطينيون يحملون أمتعتهم بعد “النكبة” في 15 سبتمبر 1948 وهم يغادرون قريتهم سيرا على الاقدام

وإذا أخذنا أقل التقديرات للاجئي العام 1948، فإن من بين مجموع الشعب الفلسطيني في عام 1949 البالغ 1466 ألف فلسطيني، ثمة 850 ألف لاجئ، استأثرت الضفة الغربية بنحو 38 في المائة منهم، في حين تركز 25.1 في المائة من اللاجئين في قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 365 كيلومتراً مربعاً. واضطر 13.6 في المائة  من اللاجئين للذهاب إلى لبنان، وإلى سوريا 11.5 في المائة وإلى الأردن 9.5 في المائة؛ وقد فرت أعداد قليلة إلى مصر، لا تتعدى واحد في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، واستحوذ العراق، أيضاً، على نحو نصف في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين، وغالبية الذين تركزوا في العراق من مثلث حيفا الساحلية، أي من قرى عين غزال وقرية عين حوض، وقرية جبع وغيرها من قرى عروس الساحل الفلسطيني.‏ وحصلت عملية ترانسفير كبيرة لغالبية فلسطينيي العراق، بعد الغزو الأميركي للعراق في ربيع عام 2003 ، حيث تمّ ارتكاب مجازر بحقهم على يد  قوات مقتدى الصدر الشيعية، ليصبحوا لاجئين في أكثر من 40 دولة أوروبية وأسيوية وعربية. ويشار إلى أنه لا يوجد خدمات لوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “أونروا” بين تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الذين تركزوا في العراق، بعد نكبة عام 1948.

لاجئ فلسطيني يحمل مفتاح بيته الذي تم طرده منه عام 1948
لاجئ فلسطيني يحمل مفتاح بيته الذي تم طرده منه عام 1948

 الأونروا

اعتمدت وكالة  “أونروا” في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق انتشار عملها الخمسة على أرضية تعريفٍ صاغته لللاجئ الفلسطيني، أي تعريف إجرائي، وليس سياسياً يهدف، بالدرجة الأولى، إلى توفير معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة، على النحو التالي: اللاجئ الفلسطيني هو كل شخص كان مسكنه العادي في فلسطين، لعامين سبقا نزاع 1948، والذي كان من نتائجه أن خسر منزله، ووسائل عيشه، ولجأ في عام 1948 إلى واحد من البلدان التي تقدم “أونروا” فيها خدماتها، وينسحب هذا التعريف وتلقي المساعدة على أولاده وأحفاده وذرياتهم، وأن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها، وهي خمس مناطق : الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، الأردن.”تفيد الإحصاءات بوجود نحو ستة ملايين ونصف المليون مسجل  في سجلات “أونروا” في عام 2024، في حين أن العدد المقدر للاجئين هو أكبر بنحو مليون، نظراً لعدم تسجيل عدد كبير من اللاجئين في سجلات أونروا لأسباب متعددة. وثمة 41 في المائة منهم يتركزون في الأردن، و22 في المائة في قطاع غزة الذي يضم ثماني مخيمات بائسة، في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المائة من إجمالي مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في “أونروا”. في مقابل ذلك، تستأثر سوريا بـ 10.5 في المائة، وكذلك الحال بالنسبة للبنان.‏ ويلحظ المتابع أن عمليات ترانسفير كبيرة طالت أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، منذ بداية الحرب الأهلية في عام 1975، وكذلك اللاجئين الفلسطينيين في سوريا منذ يوليو/ تموز 2012، حيث بات أكثر من (200) ألف لاجئ فلسطيني من سوريا في مناطق لجوء جديدة عربية وأوروبية، وخصوصاً في السويد وألمانيا وهولندا. واللافت أن عمليات الترانسفير لاحقت الفلسطينيين أيضاً، خلال العقود الثلاثة الأخيرة في مناطق لجوئهم العربية، في لبنان وليبيا والعراق والكويت وسوريا. لكن، هذه المرة إلى المهاجر البعيدة في جهات الأرض الأربع، بحثاً عن شروط أكثر أمناً وإنسانية. ومن جديد تسعى إسرائيل منذ تشرين الاول /أكتوبر الماضي إلى طرد الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس وكذلك من الداخل المحتل عبر ارتكابها المجازر المروعة وتكميم الأفواه وصولاً إلى الإبادة الجماعية التي باتت توصف بها الدولة المارقة إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *