حراكات الجامعات الغربية.. أين النظم العربية وجيوشها؟
نبيل السهلي – كاتب فلسطيني
29/4/2024
في الوقت الذي تستمر فيه المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وتكميم الأفواه في الداخل الفلسطيني، ترتفع أصوات الطلاب في جامعات أمريكا وبريطانيا وفرنسا مناصرة للحق الفلسطيني وداعية لوقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ في مقابل ذلك انحصر دور الجيوش العربية في حماية العروش المنصاعة لرغبات نظم الغرب.
نطاق الحراكات الجامعية
أصبح الاعتصام الاحتجاجي الذي بدأه طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية في حديقة الحرم الجامعي احتجاجاً على الاستثمارات المالية المقدمة للشركات التي تدعم الإبادة الجماعية في غزة، مصدر إلهام للطلاب في جميع أنحاء العالم، وبدء آلاف الطلاب في العديد من البلدان، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أستراليا، ومن فرنسا إلى بريطانيا، مظاهرات في جامعاتهم تضامناً مع فلسطين وداعية إلى وقف عمليات الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني على امتداد الوطن الفلسطيني بمساحته (27009) كيلومتر مربع، وأكد الطلاب في شعاراتهم الممنهجة والمدروسة على نقاط محددة وضرورة وقف المجازر والعدوان الإسرائيلي ونيل الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس، وتجاوز الطلاب تصريحات مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي الذي قال “بأن حراكات الطلاب معادية للسامية”، حيث نفى الطلاب اليهود في جامعة كولومبيا تصريحات جونسون، وقالوا إن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين لا تشكل تهديداً ولا تعتبر معادية للسامية بأي شكل من الأشكال. وتعتبر شريحة طلاب الجامعات في الغرب وحراكاتها المنحازة لفلسطين هامة في هذا الوقت بالذات، نظراً لتبني نظم الغرب الوازنة للرواية الإسرائيلية للعدوان والذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال دعم إسرائيل على كافة الصعد الإعلامية والمالية والعسكرية.
حكم العسكر
تبوأ العسكر السلطة إثر استقلال غالبية الدول العربية خلال العقود السبعة الماضية. وبعيداً عن تطور المؤسسة العسكرية في الدول العربية، من حيث العدد والعدة والتسليح والاستراتيجية العسكرية المتبعة، يبرز سؤال جوهري حول مستقبل تلك المؤسسة بعد التجربة التي مرت بها ثورات الربيع العربي، وعدم انحياز تلك المؤسسة لمطالب الشعوب العربية التواقة للحرية والكرامة والعدالة، والمشهد أكثر وضوحاً مع استمرار المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث لم تكن الجيوش العربية عوناً لأهالي غزة والدفاع عنهم، الأمر الذي يؤكد فقدان تلك الجيوش ماهيتها ودورها المناط؛ الأمر الذي يؤكد ضرورة إعادة بنائها على أسس وطنية صحيحة وممنهجة، حتى تصبح الجيوش العربية ذخراً للشعوب وحمايتها، وليس عبئاً عليها في ميادين السياسة والاقتصاد والأمن.
وفي إطلالة متأنية وسريعة على تاريخ الحروب العربية- الإسرائيلية، يمكن الجزم بأن الهزائم لم تدفع الجنرالات في الجيوش العربية لاستخلاص العبر والدروس ونقد الذات، فلم تشكل مثلاً لجنة واحدة للتحقيق في هزيمة الخامس من يونيو عام 1967، وفي الاتجاه نفسه لم يترجم الجنرالات الانتصارات العسكرية الجزئية في حرب أكتوبر 1973، مثل تدمير خط بارليف في سيناء، وخط آلون في هضبة الجولان السورية المحتلة، إلى مكاسب سياسية، بل على العكس من ذلك، انقلبت انتصارات الجنود الشجعان وتضحياتهم الجسيمة إلى هزائم سياسية ونجاحات إسرائيلية، تمثلت بعقد اتفاقات كامب ديفيد عام 1979 بين مصر والدولة المارقة إسرائيل.
جدوى الجيوش وأثرها
بات جلياً عدم انحياز الجيوش العربية إلى شعوبها، وكذلك لم تقم بحماية الوطن العربي، ومجازر غزة والضفة الغربية بما فيها القدس ماثلة للعيان منذ تشرين أول /أكتوبر المنصرم، ولهذا من الطبيعي جداً أن يتساءل كل مواطن عربي عن جدوى أداء الجيوش العربية وموازناتها ونفقاتها الضخمة، حيث أن لها آثاراً سلبية مباشرة على تطور الصحة والتعليم، والتنمية البشرية، ناهيك عن ترك المواطن فريسة العدوان الإسرائيلي والشركاء، نقصد هنا كل النظم الداعمة للدولة المارقة إسرائيل وإجرامها وتوحشها وفاشيتها، وفي وقت غاب فيه دور المناطق للجيوش العربية، تعاني المجتمعات العربية من معدلات بطالة تصل إلى 30% من حجم قوة العمل المعروضة في سوق العمل، هذا فضلاً عن أرقام فلكية للأمية، وصلت إلى نحو 80 مليون أمي خلال الأعوام الأخيرة، وثمة تقديرات عسكرية تشير إلى أن الدول العربية تبوأت المركز الأول عالمياً على صعيد الإنفاق العسكري والأمني، ويقدر هذا الإنفاق بأكثر من 300 مليار دولار أمريكي للعام الواحد خلال السنوات الأخيرة، وقد تكون الأرقام أكبر بكثير لأن المعطيات المذكورة هي عبارة عن تقديرات مراكز بحث غربية، قد تخفي قيمة مبيعات الدول المصنعة للأسلحة للدول العربية.
ومن نافلة القول أن الجيوش العربية لا حراك كما النظم العربية والإسلامية صمت كالقبر إزاء عمليات الابادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بمشاركة ودعم نظم الغرب الوازنة.