في أوكرانيا .. صراع جيوسياسي طويل

في أوكرانيا .. صراع جيوسياسي طويل

خالد العزي

4/2/2024

لم تكن زيارة فيكتوريا نولاند نائية وزير الخارجية الأميركية، إلى أوكرانيا بتاريخ 31 كانون الثاني / يناير عادية بل كانت تحمل في مضمونها إعادة التأهيل في الدولة والاقتصاد المدني والعسكري، من خلال منشآت الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم عروضًا جديدة لأوكرانيا.

كما أوضحت نولاند أثناء الزيارة أيضًا أن سكان كييف تحدثوا عن المناخ الملائم للاستثمارات العالمية، والبناء الممتد هناك من خلال معهد أوكراني للتعامل مع اقتصاد الشركات والمشاريع وهو عبارة عن شركات أميركية لها استثماراتها في أوكرانيا وقد شددت من كييف على أن بوتين سيحصل على مفاجأة سارة من ساحة المعركة.

الكلام هذا يعني أن أميركا ستزود كييف بالسلاح والأموال المنتظرة.

نولاند الخبيرة في الشؤون السياسية الخارجية والمختصة بالأجواء السوفيتية هي الداعم الأول للثورة الأوكرانية، والتي زارتها أثناء عملها في إدارة الرئيس اوباما حيث صرحت من ساحة “الميدان” في كييف وقتها للتعبير عن التضامن مع الدولة الصاعدة والذاهبة نحو القيم الاوروبية والديمقراطية.

موقف روسيا من الأزمة

في المقابل وتاريخ 1 شباط / فبراير الحالي، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امام الإعلام تصريحًا ناريًا، حيث أعطى الأوامر للقوات الروسية لشن هجوم واسع النطاق ضد اوكرانيا من اجل تجريدها من السلاح البعيد المدى (المسيرات والصواريخ) الذي بات يشكل أزمة لروسيا بعد أن تعددت استخداماته من قبل القوات الاوكرانية وبات يهدد الامن القومي الروسي باستهداف منشآت حيوية في العمق الروسي وتحديدًا في (سانت بطرسبورغ وموسكو وكراسنودار) ومدن عديدة تعتبر مناطق حدودية مع أوكرانيا.

لكن بظل الصراع الدائر اليوم بين روسيا وأوكرانيا يجب قراءة المشهد بطريقة مختلفة، لأنه لم يعد صراعاً كما تصوره البعض بأن الاحداث ستنتهي بهزيمة أوكرانيا، وسوف تستطيع روسيا القضاء عليها بسرعة بعد أن رفعت إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن الدعم المالي والعسكري عن الدولة الهجينة، كما تدعي روسيا، لأن أوكرانيا بنظر بوتين دولة اصطناعية تقوم بتنفيذ مهمة إعاقة دور روسيا العائد للعالم بقوة، وخاصة ان بوتين أشار في حديثه أثناء اجتماع حزب روسيا الموحدة الى أنه سيجعل من روسيا دولة قوية، الجميع يحسب حسابها.

هذه التعابير في تصريحات لسيد الكرملين كان يقصد من خلالها أنه سوف يسدد ضربة قاسية للغرب من خلال السيطرة على أوكرانيا، ووضعها تحت سيطرة روسيا بعد أن تخلى الغرب عنها.

وهذا التخلي سيجعل إعادة احتلالها من روسيا وتغيير النظام فيها سهلا، وبالتالي سيجعل من السيطرة على أوكرانيا هزيمة جديدة تسدد للغرب، وسيجعل روسيا تستعيد دورها القديم وتعد العدة لمراحل جديدة من “مراحل القطبية العالمية “.

تفسير روسيا لشكل الصراع مع أوكرانيا

أخذت روسيا من تصريحات الغرب الجزء الاول، الذي يعني ان هزيمة روسيا في أوكرانيا ممنوعة، والعالم كله غير مستعد لهذه الهزيمة الشنعاء التي ستترك آثارها على العالم لعشرات السنين، كما حدث أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي. أما الجزء الثاني والذي لم يأخذ به الكرملين، نتيجة العنجهية السياسية والدبلوماسية، هو قول الغرب أنه لن يسمح لبوتين بتسجيل انتصار على الغرب في اوكرانيا والسيطرة عليها. لان السيطرة على أوكرانيا يعني السيطرة على اوروبا.

لذلك يرى الغرب أن معركة أوكرانيا معركته بالدرجة الأولى، ولم يعد الكلام مجرد التوافق على تسوية تراعي شعور بوتين او الخوف منه، بل معارك اوكرانيا أصبحت طويلة جدًا، لأنها معركة تغيير جيوسياسي في المنطقة يحدد مصير واستقلالية القرار الأوروبي وإخراجه من القبضة الأميركية والتهديد الروسي الدائم والذي ينتهي بالموافقة على التوجهات الأميركية وتبنيها والسير فيها، وفي المقابل التنازل لروسيا والعض على الجراح.

بالطبع أوكرانيا هي الجيش المتقدم الذي يدافع عن القيم الأوروبية والديمقراطية بوجه الخنوع للشمولية والدكتاتورية، فمن هنا مهما سيطر التضخم والكساد الاقتصادي على اوروبا وارتفعت الضرائب على المواطنين على حساب رفاهيتهم، لكن هذا ثمن غير مباشر يُدفع للحرب والدفاع عنهم بواسطة الحرب الأوكرانية الروسية التي تبعد ناقوس الخطر عن أوروبا وشعبها وأمنها واقتصادها.

المواقف الأوروبية لجهة الدعم

الاتحاد الأوروبي مصر على حزمة المساعدات لأوكرانيا ولا يهتم لأي مشاكسات من المجر ويشل اقتصادها الذي سينعكس على رئيسها فيكتور أوروبان بحال استخدم حق الفيتو (النقض).

وهنا لابد من الرجوع الى تصريح رئيس وزراء بولندا، دونالد توسك، ان أوربان هو السياسي الوحيد الذي يقف بوجه أوكرانيا منذ بدء الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا. ولابد من الوقوف أمام موقف الرئيس الفرنسي ماكرون الذي دعا الاتحاد الأوروبي الوقوف الى جانب أوكرانيا، وعدم الاتكال على الولايات المتحدة . لأنه يجب على الأوروبيين تنظيم انفسهم وعدم الاتكال على الولايات المتحدة وان لا يتغير الوضع على الأرض بحال اتخذت الولايات المتحدة موقفا سياديا خاصا ليبقى الدعم الأوروبي هو الأساس.

ومن هنا نرى أن الخطاب الاوروبي الموحد والذي يعبر عنه الزعماء خلاصته: لن نسمح بهزيمة أوكرانيا ولن نعطي اي نصر لبوتين، لأن تصريحاته عن النصر هي هزيمة للاتحاد الأوروبي وتحقيق رغبات بوتين بشق الاتحاد من خلال اعتماده على بعض الدول المشاكسة (المجر وسلوفاكيا) ضمن خطة تسعى لتنمية التطرف في اوروبا الشرقية الشريك الرسمي للكرملين في اوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *