نقاشٌ في تأثيرات الأزمة السياسية في إسرائيل على الإسرائيليين

نقاشٌ في تأثيرات الأزمة السياسية في إسرائيل على الإسرائيليين

ماجد كيالي – كاتب فلسطيني

29/7/2023

ما زال من المبكّر التكهّن بمآل الأزمة السياسية الراهنة في إسرائيل، والتي بدأت مع تشكيل حكومة اليمين القومي والديني (أواخر العام الماضي) فيها، والتي تفاقمت أكثر مع قيام الأغلبية في الكنيست (64 نائباً من 120 نائباً في الكنيست) بسنّ قوانين تمسّ تعدّد السلطات واستقلالها، من خلال تقويض السلطة القضائية، عبر إضعاف مكانة المحكمة العليا، من الناحية القانونية، ومن ناحية رقابتها على السلطة التنفيذية، ما يجعل رئيس الحكومة، أي بنيامين نتنياهو، مسيطراً على كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وتعتبر أوساط المعارضة، العلمانية والديموقراطية والليبرالية واليسارية، أنّ القوانين التي تشرّعها أطراف الائتلاف الحكومي تضرّ بوحدة المجتمع، وبالتوافقات التي تأسست عليها إسرائيل منذ إقامتها، قبل 75 عاماً، بأخذها نحو الديكتاتورية والفساد والقطيعة مع الحلفاء، ومن ضمنهم الولايات المتحدة. إذ تظهر إسرائيل كدولة يهودية ودينية وديكتاتورية وفاشية، بدلاً من إظهارها كدولة علمانية وديموقراطية ليبرالية (على الأقل نسبة إلى مواطنيها من اليهود).

معلوم أنّ إسرائيل كانت تذهب في مرّات سابقة نحو توافقات وسط، أو نحو انتخابات مبكرة، وهو ما يفترض أن يحصل هذه المرّة، أيضاً، لكن المشكلة أنّ حكومة الائتلاف القومي والديني أرادت اقتناص اللحظة الراهنة لفرض أجندتها ورؤيتها لطابع إسرائيل، بتغليب تديّنها على علمانيتها، ويهوديتها على ديموقراطيتها، على أساس أنّ واقع إسرائيل الأمني بات مريحاً للمدى الاستراتيجي، من كل النواحي، محلياً وإقليمياً ودولياً.

مع ذلك، فمن المشكوك فيه نجاح تلك الحكومة في مشروعها، إذ إنّها ستُصدم عاجلاً، أو آجلاً، بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، أو الاستفتاء، أولاً، بحكم قوة المجتمع المدني وحراكاته الدؤوبة منذ 7 أشهر. ثانياً، بسبب الضغوط الخارجية، لاسيما من الولايات المتحدة. ثالثاً، لأنّ المكوّن العلماني والديموقراطي بين الإسرائيليين أقوى وأكثر تأثيراً، من المكوّن الديني الشعبوي، في الدولة ومؤسساتها، وفي قطاعاتها الاقتصادية والعلمية. فالأول، يضمّ اليهود الغربيين في الأغلب، والثاني، يضمّ اليهود الشرقيين في الأغلب. رابعاً، بواقع دخول قطاعات من الجيش على الحراكات الشعبية، ضدّ توجهات الحكومة، وهو المؤسسة الأهم، وبمثابة بوتقة الصهر الأساسية للإسرائيليين في الدولة، عدا عن أهميته للأمن، علماً أنّ منتسبي التيارات الدينية لا يخدمون في الجيش ولا يدفعون الضرائب، أي يعيشون على حساب دافع الضرائب من التيارات العلمانية والديموقراطية والليبرالية، الذين يخدمون في الجيش!

وبرأي ميراف أرلوزوروف: “قدّمت الأحزاب الحريدية بغباء، مشروع قانون الأساس: تعلّم التوراة كخدمة مهمّة…تعلّم التوراة يساوي الخدمة العسكرية… يصعب تخيّل غباء أكثر من هذا… الآن من المؤكّد أنّ التفكّك قد وصل أيضاً إلى الجيش النظامي. كل ما يجب أن يحدث هو إرسال رسالة إلى أبناء الـ 18، إلى بضعة آلاف أو عشرات آلاف، الذين سيعلنون أنّه على ضوء تهرّب الحريديين من الخدمة في الجيش، هم ايضاً مضطرون إلى الاعلان وبألم، بأنّهم لا ينوون التجنّد للخدمة الإلزامية.” (“هآرتس”، 27/7/2023).

عدا ذلك، فقد بيّن استطلاع الرأي (يوم 25/7) تراجعاً في نسبة التأييد للائتلاف الحاكم، بسبب “التعديل القضائي”، من 64 إلى 52 أو 53 في الكنيست المؤلّف من 120 مقعداً، بحسب استطلاعين نشرتهما قناتا “إن12 نيوز”، و “12” الإسرائيليتان، إذ انّ عدد المقاعد التي حصل عليها “ليكود” سيتراجع من 32 إلى 28، أو 25. في المقابل، تحصل أحزاب المعارضة على 67 أو 68 مقعداً ضمنها: “المعسكر الوطني” – 28 او 30 مقعداً؛ “ييش عتيد” – 19 أو 17 مقعداً؛ أيضاً، فإنّ أكثر من نصف المواطنين الإسرائيليين يخشون من “حرب أهلية”، وقرابة ثلث الإسرائيليين ينوون المغادرة.

ثمة معطيات عديدة تفيد بأنّ إسرائيل ستشهد حوادث غير عادية، في سعيها لتلافي هذه الأزمة الكبيرة، وغير المسبوقة في تاريخها، لمواجهة ما يعتبره ألوف بن نموذج الـ “دولة اليهودية والديكتاتورية ـ الدينية، الذي يقوم نتنياهو بصناعته…”، وأيضاً لإنهاء هيمنة المستوطنين المتدينين على دولة إسرائيل، بحسب ألوف بن، إذ “يهودا و “السامرة (حيث يتواجد المستوطنون في الضفة) ستفرض سيادتها على إسرائيل، وليس العكس. بدلاً من أن يُقال إنّ تل أبيب ستضمّ يتسهار، يجب القول إنّ يتسهار ستضمّ تل أبيب”. (“هآرتس”، 13/7/2023).

وما يفترض الانتباه إليه، أنّ التصدّع الحاصل في بنية المجتمع الإسرائيلي، وفي الجيش، له آثاره الاقتصادية. فبرأي القائد السابق للكوماندوس البحري العقيد (احتياط) نيفو إيريز: “نحن بلد ينهار، كل يوم كل شيء ينهار، الاقتصاد، التكنولوجيا الفائقة، العلاقات الخارجية والآن الجيش”. (22/7/2023) ويلخّص عاموس هرئيل الآثار المترتبة على سياسات حكومة نتنياهو بالآتي: “الدولار يرتفع بسرعة، والبورصة تهبط، وشركات التصنيف الائتماني تنشر تحذيرات خطيرة حول الوضع الاقتصادي…تعبّر الولايات المتحدة وبريطانيا عن قلق “مهذّب” تجاه هذا التشريع. زيارة نتنياهو البيت الأبيض مرّة أخرى تقف أمامها علامة استفهام… العنف في الشوارع… أعمال عنف الشرطة ضدّ المتظاهرين… سلسلة القيادة مشوشة كلياً… جهاز القضاء لا يريد التصادم مع الشرطة، باستثناء حالة موت أو إصابة بالغة… محور لفين – سموتريتش – روتمان ما زال معنياً بتمرير المزيد من القوانين. أيضاً الحريديون يطالبون بنصيبهم… قدّمت قائمة “يهدوت هتوراة” اقتراح مشروع أساس: تعلّم التوراة، وهذه خطوة أولى في تحسين شروط طلاب المدارس الدينية قبل تقديم قانون إعفاء الحريديين من التجنّد للجيش، المنوي تقديمه في الدورة الشتوية للكنيست.” (“هآرتس”، 26/7/2023).

ويحاول المحلّل الإسرائيلي دافيد بيريتس البحث في الأسباب العميقة والبعيدة والمؤسسة لهذه الأزمة، بعيداً من أسبابها الحالية والمباشرة، في قوله: “الكل منشغل بإحساس “خراب البيت الثالث”، هذه بداية النهاية… فقد أُقيمت دولة إسرائيل في خلطة مجنونة… نجح هذا ونجا وتطور، لكن تحت غطاء انفعال عودة صهيون بعد ألفي سنة من المنفى, أُزيحت جانباً حقيقة أنّ الدولة أُقيمت باعوجاج، بلا دستور ومع وثيقة استقلال صيغت على عجل. وعند السؤال: يهودية أم ديموقراطية؟ قلنا فلنُقم الدولة أولاً، وبعد ذلك نحطّم الرأس… اتسعت الفجوات الصغيرة منذئذ مع السنين لتصبح شروخاً عميقة. مع جهد كبير نجح المركز في حفظ الغطاء في أننا كلنا نعيش في الدولة ذاتها بينما عملياً كنا نعيش في “بلدان أخرى” كل الوقت… الآن، تتقاتل المجموعتان في الشوارع بحماسة، فتصدح بشروخات الماضي ولا تُعنى بالمستقبل”. (“إسرائيل اليوم”، 27/7).

 

*تم انشر بالتنسيق مع الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *