هل دخلت الحرب في أوكرانيا منعطفًا جديدًا؟

هل دخلت الحرب في أوكرانيا منعطفًا جديدًا؟

دكتور خالد ممدوح العزي

28/1/2023

لم تكن مقابلة بطريرك السياسة الأمريكية وزير الخارجية الأسبق هنرى كيسنجر زوبعة في فنجان عندما ذكر بتاريخ 17كانون الثاني/يناير الحالي، “لقد آن الأوان لأوكرانيا الانضمام إلى الناتو” بعدما كان عرّاب الوساطة مع روسيا القائمة على تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها لروسيا لإنهاء الحرب، وهو من يقود التفاوض .ومع انعقاد قمة “رامشتاين”بتاريخ20 كانون الثاني/يناير الجاري، في القاعدة الجوية الأمريكية في ألمانيا، حيث ناقش حلفاء أوكرانيا الغربيون مسألة توريد دبابات ليوبارد2، دون التوصّل إلى أي قرار بشأن هذه المسألة. وتسليم اوكرانيا معدّات حربية، يتوجّب الحصول عليها لاستكمال الحرب، لكن الدبابات هي الأساس ولا يمكن الحصول عليها دون موافقة برلين.بالرّغم من عدم التوافق بين المجتمعين الذين الذي بلغ عددهم 55 دولة ممثلين بوزراء الدفاع للدول المشاركة لكن الاجتماع نجح، والدعم بات يصل إلى أوكرانيا، وإن بقيت قضية دبابات ليوبارد الألمانية موضوع خلاف بين الدول المشاركة.

أسلحة غربية ثقيلة إلى أوكرانيا

مع إعلان بريطانيا عزمها إرسال دبابات من نوع “تشالنجر 2” إلى أوكرانيا، أصبحت لندن عضوًا جديدًا في نادي الأصدقاء يقوم بتزويد كييف بأسلحة يمكن أن تستخدم للهجوم والدفاع، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مطلع الشهر الحالي نيّته إرسال مجموعة غير محددة العدد، من المركبة “آي إم إكس 10 آر سي”، وهي دبابات خفيفة من المتوقع أن تكون على أهمية كبيرة في الحرب الدائرة في أوكرانيا لقدرتها على تدمير الدبابات.وفي تطوّر لافت للانتباه أعلن الرّئيس الفرنسي أثناء مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الألماني بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير الجاري بأن بلاده سوف تسلّم أوكرانيا دبابات ثقيلة من نوع “لوكلير” لدعم الجبهة الأوكرانية وطلبنا من وزير الدفاع تجهيز المطلوب.كما أعلن الرّئيس البولندي، أندريه دودا، خلال زيارة إلى أوكرانيا، الأسبوع الفائت، أن بلاده مستعدّة لتزويد كييف بأربع عشرة دبابة ثقيلة متطوّرة من نوع “ليوبارد-2” على أن يحصل ذلك في إطار تحالف دولي يتم العمل حاليًا على بنائه.هذا التغيّر في نهج التسليح الأوروبي يدعو للتساؤل حول الأسباب التي دعت الأوروبيين لاتخاذ هذا النهج، وأهميّة زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة في تغيير النهج، وهل بدأت الحرب تتجه نحو تحرير الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا.

تحالف الدبابات

تصف روسيا الأعداء الغربيين بأنهم يؤججون الصراع بدعم أوكرانيا بهذه الدبابات التي ستصبح خردة بعد أن يتم ضربها من قبل القوات الروسية، لكن رئيس الوزراء الألماني علق في مؤتمره الصحافي مع الرئيس الفرنسي بالنسبة الى دبابات ليوبارد الألمانية بأنّ بلاده كانت ولا تزال تتصرف بالتنسيق الدائم مع الأصدقاء والحلفاء وسيتم العمل المحدد، وفي أول تغيير مفاجئ للموقف الألماني أعلنته وزيرة الخارجية الالمانية الينيا بربوك من بولندا بأنّ وزارة الدفاع الالمانية لن تمانع بإرسال الدبابات من دول أخرى وكأنها إشارة لبولندا بإرسال الدفعة الأولى. لذلك باتت روسيا تحس بالخطر المقبل من هذه الخطط الغربية، وتحاول تكثيف هجماتها في كل من ( زاباروجيا وسوليدار وباخموت وكرمينيا). لتحقيق انتصارات سريعة قبل انتهاء التوافق بين حلف الدبابات لتعزيز الجبهة التي وُعدت بها أوكرانيا ورئيسها لمتابعة الحرب.

أسباب تغيير نهج التسليح

على الرّغم من أن توجّه “الناتو” كان ينصب على تزويد كييف بأسلحة دفاعية، وفي المقام الأول أسلحة لمواجهة القصف الروسي المتكرر والواسع، يمكن أن تصبح الدبابات رأس حربة في أي هجوم أوكراني لاستعادة الأراضي المحتلة.إن التغيّر في الموقف الأوروبي ناتج عن مسائل عدّة برزت مؤخرا، أبرزها أن الموقف الروسي لا يزال يصرّ على شروطه وكأن الحرب لم تبدأ بعد أو لا تزال في بدايتها، أي إصرار بوتين على الشروط التي يضعها رغم الانتكاسات التي تعرّض لها جيشه، وهو ما أعطى المبرر للغرب الذي كان يحاول إعطاء فرصة لروسيا لتعديل مواقفها والجلوس إلى طاولة الحوار والتوصّل لحل للأزمة بطرق دبلوماسية.

منظومة صواريخ باتريوت

ومع استمرار القصف الصاروخي الذي تنفذه روسيا ضد المباني، والمساكن المدنية والقطاعات الحيوية والبنية التحتية الأوكرانية في تهديمٍ ممنهج يطال كل شيء وفق سياسة الأرض المحروقة التي باتت تستخدمها روسيا بشكل كبير، فإنّ الأوروبيين يرون أنه لا مجال لإسقاط أوكرانيا بأي طريقة لأنها خط أحمر وهو ما أبلغوه للروس بأنهم لن يهادنوا في ذلك، كما أن الأوروبيين باتوا يعرفون أنّ الحرب الحالية هي حرب موجهة ضدهم حيث بات المنطق الأوروبي يعتبر روسيا هي الخطر والعدو لأوروبا.هناك نقطة مهمّة يجب الاهتمام بها، وهي تهديد الأمن الأوروبي الذي باتت تستخدمه إيران عبر مساعدة روسيا مباشرة بتزويدها بالمسيّرات التي تضرب المدن الأوكرانية انه يتوجّب على الدول الأوروبية إعادة بنائها، وأيضًا السلاح الإيراني المُصنّع في سوريا والذي يتم جلبه لاستهداف أوكرانيا، وأيضًا الصفقة التي عُقدت بين إيران وروسيا لتزويد الأخيرة بصواريخ باليستية بعيدة المدى.

أهميّة زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة

مؤخرًا زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الولايات المتحدة للطلب من الأميركيين والأوروبيين استمرار دعم أوكرانيا في الدفاع عن نفسها في وجه روسيا، وألقى زيلنسكي خطابًا أمام “الكونغرس الأميركي”، طالب فيه بدعم عسكري نوعي قادر على تغيير موازين الحرب.إن زيارة زيلنسكي للولايات المتحدة والخطاب الذي ألقاه أمام “الكونغرس” يحمل رسائل لكل من روسيا والصين وإيران بأن الولايات المتحدة ستغير نهجها، وستعمل على تقديم الدعم لأوكرانيا بكل ما تحتاجه، ومن هنا لوحظ سريعًا الضغط الأميركي، والتغير في السياسة لجهة الإفراج عن كل المطالب الأوكرانيّة التي تم طلبها سابقًا، وأهمها التّزود بصواريخ “باتريوت” المضادة للطائرات والصواريخ، إضافة إلى معدات وناقلات ودبابات تساهم عمليًا بتغيير الواقع الاستراتيجي على الأرض.هذا الواقع هو كسر للمحرّمات خاصة بقرار الرئيس ماكرون تزويد أوكرانيا بدبابات قتالية، وهو إشارة للدول الغربية الأخرى باتباع النهج الفرنسي على الرغم أن فرنسا كانت أكثر الدول مطالبة بالحوار بين الطرفين.

الخسارة الممنوعة للطرفين

بالنظر إلى أنواع الدبابات والمدرعات التي أعلنت الدول الأوروبية أنها ستزود أوكرانيا بها، فإن روسيا ستتعرّض لخسائر كبيرة خلال المرحلة المقبلة لكن بحسب خبراء لن يسمح الأوروبيون بخسارتها.الغازي يرى أن الغرب بات يعلم أن خسارة أوكرانيا ممنوعة، وفي نفس الوقت يعلم أن خسارة روسيا صعبة أيضًا فالغرب لا يريد هزيمة روسيا لما لذلك من تأثير سلبي عليه وأكثر من يفهم هذه الناحية هم الأوكرانيون ولذلك يبررون تأخر الدعم الغربي لهم في الحرب.من هنا جاء التسليح الأوروبي لأوكرانيا للتركيز على نقطتين، الأولى، وهي ضرورية لأوكرانيا لكي تصل إلى توازن رعب ناري من أجل تحقيق انتصارات معينة لكن بشرط عدم ضرب المدن الروسية، وإنما ضمن المناطق التي احتلتها روسيا فقط، والثانية الرسالة التي أوصلها الرئيس الأوكراني وهو يرتدي الزي العسكري، بأن أوكرانيا ستقوم بصرف المساعدات التي تتلقاها من الغرب في سبيل الدفاع عن الديمقراطية والدفاع عن أوروبا.

دبابة ليوبارد

الموقف الألماني له حساباته الخاصة في تزويد أوكرانيا بالدبابات داخليًا، ويعتمد على الموافقة الداخلية بالاتفاق مع الشركات المصنّعة، تجهيز الدبابات في المصانع الوطنية للقتال مجهزة بتقنيات حديثة، وأيضًا تدريب الأوكران عليها، الأهم هو من يؤمّن التذخير لتشغيل المصانع والذي يجب الاتفاق عليه مسبقًا.خارجيًا تحاول ألمانيا المماطلة في تقديم الدبابات لأنها تتخوف من تصبح أوكرانيا حقل تجارب فاشلة لهذه الدبابات التي تحس وزارة الدفاع أنه يجهز لها في كمين أمريكي لا تريد الوقوع فيه، اذن واضح بالطلب من واشنطن تزويد أوكرانيا بمجموعة صغيرة من دبابات إم 1 إبرامز لمحاربة الروس.

الحسابات الغربية في التزويد

الموقف الغربي يعتمد على عدة أسئلة مهمة قبل الدخول في حرب ضد روسيا من خلال الدعم المطلق للسلاح الجديد لان الغرب لا يريد الهزيمة لروسيا بل يريد مساعدة أوكرانيا استعادة اراضيها المحتلة، الاسئلة كثيرة مثلا (ماذا سيحل بالأسلحة النووية الروسية حال هزيمتها، وكيف سيكون وضع الإسلام في جنوب روسيا، ومن سيسيطر على سيبيريا، وماذا سيحل بما وراء القوقاز، وكيف سيكون الوضع في دول وسط آسيا والتي تعتبر مستعمرات روسية، وما مستقبل النفط والغاز الروسيين، وفوق كل ذلك الخطر الصيني الذي يمكن أن يتمدد نحو الاتحاد الأوروبي في حال انهارت روسيا، إضافة إلى الانقسامات المناطقية والعرقية التي ستحدث كما جرى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي).لذلك يعلم الغرب بشكل دقيق ما هي المساحة التي تساهم بها الأسلحة المقدّمة إلى أوكرانيا، وقد بدأت الدول الغربية بالفعل بنقل الأسلحة والدبابات إلى أوكرانيا، وهناك توازن آخر قادم في المجال الجوي من خلال صواريخ “باتريوت” وهو ما يمنع الروس من السيطرة على الأجواء الأوكرانية.إذا السلاح الأوروبي سيمكّن أوكرانيا من شن هجوم، واسع النطاق سيؤدي إلى إحداث توازن وهذا الأمر سيؤدي إلى إعادة فتح الحوار لحل الأزمة وجلب الروس إلى طاولة الحوار دون شروط، لذلك فإن الاستراتيجية الروسية تغيرت من خلال تغيير القادة وتسليم رئيس أركان الجيش الروسي قيادة المعركة نتيجة للصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي في أوكرانيا.

الموقف الروسي من الدعم المقبل

إنّ روسيا لم تتمكن من تحقيق إنجازات حقيقية خلال فترة طويلة من القتال لذلك تحاول الوصول إلى مدينة سوليدير الصغيرة للسيطرة عليها بأي شكل، من أجل القول إنها حققت إنجازات أمام الرأي العام الروسي الداخلي، وذلك في سبيل إجراء تعبئة داخلية قوامها يصل إلى نحو 500 ألف شخص هي القوة التي ستمهد للهجوم الثاني على أوكرانيا وهو ما لا يريده الأوروبيون أيضًا.معركة كبيرة بالنسبة لروسيا التي اعتادت خلال السنوات الماضية على معارك صغيرة في القرم وسوريا وجورجيا، تواجه فيها فعليًا الغرب بشكل كامل والذي لن يسمح لها بالانتصار تحت أي ظرف، في الوقت الذي يصرّ فيه بوتين على شروطه التي وضعها في بداية الغزو لأوكرانيا والتي لا يبدو أنه بات قادرًا على فرضها.بالنهاية أوكرانيا ستحصل على الدبابات وهذا صراع داخل المجموعة الاوروبية وأمريكا في عملية تأمين الدبابات وتامين الذخيرة لها والتدريب الناجح لقيادة هذه النوعية الجديدة. فالسلاح الألماني قد أثبت فعليته في الحرب حيث بات يشكل خطرًا واضحًا على الشركات الأمريكية التي تعد له الكمين من اجل افشاله.لكن تصريحات شولتز ووزيرة خارجيته ومع خروج وزيرة الدفاع السابقة من الوزارة سيسمح بتزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد 2، خاصة وأن الدبابات الألمانية متواجدة في أكثر من دولة أوروبية وهي على استعداد لتزويد كييف بها بموافقة برلين المقبلة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *