روسيا العظمى تنبش مقبرة “اليرموك” بحثاً عن رفات جنود إسرائيليين!

روسيا العظمى تنبش مقبرة “اليرموك” بحثاً عن رفات جنود إسرائيليين!

ماجد كيالي – كاتب فلسطيني

19.03.2021

القصة المثيرة والمكشوفة هنا فتتعلق بتصرف روسيا “العظمى” إزاء دولة ليست عظمى بحجم إسرائيل، فهي لا تغضّ الطرف عن ضربات إسرائيل المتواصلة في الأراضي السورية، وحسب، إنما تبدي استعداداً للعب دور نابشي القبور

كان أمراً مثيراً، ولافتاً، أن جنوداً من القوات الروسية في سوريا ضربوا طوقاً حول مقبرة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين (جنوب مدينة دمشق)، مانعين أياً من المدنيين من الاقتراب منها، وحتى الفصائل الفلسطينية المقربة من النظام لم يسمح لها بإجراء الطقوس المعتادة في الأعياد، عبر الزيارة وموسيقى الكثافة ووضع أكاليل الورود، تكريماً للضحايا، باعتبارها تضم مئات منهم، ضمنهم بعض قادتهم مثل أبو جهاد وأبو الوليد، والشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)!

المهم أن ذلك الطوق اتضحت مهمته فيما بعد، إذ إن تلك القوات، التي تتبع روسيا “العظمى”، إنما تقوم بمهمة خاصة، وفريدة من نوعها، تتعلق بالبحث عن رفات جثث لثلاثة جنود إسرائيليين، كانوا قتلوا إبان الغزو الإسرائيلي للبنان، في معركة السلطان يعقوب (حزيران/ يونيو 1982)، وهم زخريا باومل ويهودا كاتز والرقيب زفيكا فيلدمان.

كان ذلك حدثاً غريباً ويبعث على الدهشة، فتلك القصة مضى عليها نحو أربعة عقود، ثم إن سوريا باتت بلداً يموت فيه عشرات السوريين يومياً تحت الأنقاض، في بلد تستخدم فيه البراميل المتفجرة والصواريخ الارتجاجية والفراغية، في قصف النظام والطائرات الروسية للمناطق المعتبرة خارجة عن سيطرة النظام، من دون أدنى مبالاة. والغريب والمدهش في ذلك الحدث، أيضاً، أن روسيا “العظمى” منهمكة بكل مستوياتها، من الرئيس بوتين إلى أصغر جندي في تلك المسألة، بيد أن تلك الغرابة، أو الدهشة، سرعان ما تتبدد مع معرفتنا أن الجنود هم إسرائيليون، ونقطة، وأن إسرائيل تتصرف هنا كأنها هي الدولة العظمى!

“عندما أبلغوني بأن الساعة استعيدت، جف لعابي وأحسست بالبرودة… وقتها شعرت أنني أحس بيده، وأن جزءاً منه معنا”.

وكانت المعلومات حول عملية البحث تلك بدأت صيف 2018، أي بعد سقوط ذلك المخيم بأيدي النظام المدعوم من القوات الروسية، على رغم تغطية تلك العملية، آنذاك، بأخبار متضاربة عن قيام مسلحين بنبش تلك المقبرة، ربما للتغطية عما سيأتي.

لكن القصة اتضحت أكثر مع شيوع خبرين، أولهما، وصول ساعة إيلي كوهين، الجاسوس في جهاز الموساد الإسرائيلي في سوريا، واسمه الحركي كمال أمين ثابت، طورا بدعوى أنه تم شراؤها في مزاد علني، وطورا باعتبارها نتاج عملية للموساد، وطورا أخر كتقدمة من النظام، مكافأة لروسيا، في محاولة للمساومة على تسليم رفاته هو الأخر. وقد سلمت الساعة إلى زوجته ناديا (صيف 2018) في احتفال رسمي. وحينها أثنى نتانياهو “على مقاتلي الموساد لتصميمهم وشجاعتهم في العملية التي كان هدفها الوحيد أن يعيد إلى إسرائيل تذكاراً لمقاتل عظيم ساهم بدرجة كبيرة في أمن الدولة”. أما ناديا كوهين زوجة الجاسوس ايلي فقالت للتلفزيون الإسرائيلي: “عندما أبلغوني بأن الساعة استعيدت، جف لعابي وأحسست بالبرودة… وقتها شعرت أنني أحس بيده، وأن جزءاً منه معنا”. (BBC 6/7/2018) وقد عرف كوهين كأشهر شخصية إسرائيلية في عالم التجسس، وتم الحكم عليه بالإعدام في سوريا (نفذ في 1965)، علماً أنه كان يمكن أن يصل إلى أعلى المستويات فيها، بفضل ديناميته وعلاقاته. وكما نشهد هذه الأيام، فثمة تسريبات تفيد باهتمام روسيا، بالترتيب مع النظام السوري، بإعادة رفات الجاسوس كوهين، بل وثمة حديث الآن، عن قيام النظام السوري بتسليم غرض شخصي (لم يتم التعريف به) إلى السلطات الروسية، وأن تلك السلطات سلمته بدورها إلى إسرائيل لفحصه، وهذا الغرض ربما يكون قلماً أو مشطاً أو ماكينة حلاقة أو ربطة عنق أو قميصاً!

أما الخبر الثاني، في القصة المتعلقة بنبش مقبرة مخيم اليرموك، فتمثل بعثور القوات الروسية (نيسان/ أبريل 2019) على رفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، بعد بحث مضنٍ، وتقديمها من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدية لنتانياهو، في احتفاء رسمي صمم لهذا الغرض في موسكو، في مبنى وزارة الدفاع الروسية، بحضور بنيامين نتانياهو ورئيس هيئة أركان الجيش الروسي! وقد نشر الخبر في “روسيا اليوم في 4 نيسان 2019. وفي حينه تم أخذ رفات جثث لفلسطينيين معه، ظناً أنها للجنديين الإسرائيليين الآخرين، إلا أن ذلك لم يثبت، الأمر الذي استدعى مواصلة القوات الروسية البحث حتى الآن، في تلك المقبرة. وطبعاً روسيا لم تبالِ بمصير الجثث الأخرى، أو إعادتها من حيث أخذتها، في حين أعلنت إسرائيل بأنها ستقوم بدفن تلك الجثث في مقبرة “الإرهابيين”، ضمن قبور مجهولة وفي موقع لن يتم الكشف عنه، بحسب تصريح لناطق باسم الجيش الإسرائيلي وقتها.

لا حاجة هنا للحديث عن السيادة الوطنية، التي يتشدق بها النظام، الذي فتح البلد على مصراعيه للتدخلات الخارجية، بطريقة مباشرة أو مداورة.

وفي الواقع فإن الاهتمام باستعادة رفات الجنود، ورفات الجاسوس كوهين ومقتنياته الشخصية، ظلت تحظى باهتمام على أعلى المستويات في إسرائيل، حتى أن بنيامين نتانياهو، رئيس حكومتها، يحاول توظيف ذلك كمكسب له في معركته الانتخابية، كما فعل في حملته الانتخابية (أيلول/ سبتمبر 2019)، بالنظر إلى القيمة الرمزية لهاتين المسألتين، لجهة تصميم إسرائيل على احترام مواطنيها اليهود، في حياتهم ومماتهم، واستثمارها في أسطورة كوهين كعميل للموساد وكبطل “قومي”.

طبعاً لا حاجة هنا للحديث عن انتهاك حرمة الموتى، أو كرامة ذويهم من الأحياء، فكل ذلك ليس له معنى، عند النظام وحليفيه الروسي والإيراني، في بلد ينزف دماء شبابه منذ عشرة أعوام، مع مئات آلاف الضحايا، وملايين اللاجئين والمشردين، كما لا حاجة هنا للحديث عن السيادة الوطنية، التي يتشدق بها النظام، الذي فتح البلد على مصراعيه للتدخلات الخارجية، بطريقة مباشرة أو مداورة، بخاصة مع توجيه إسرائيل ضربات عسكرية في عمق أراضيه بين فترة وأخرى، مع معرفتنا أن روسيا تتصرف في البلد (كما إيران) كأنها صاحبة السيادة أو صاحبة الأمر والنهي.

وبشكل أكثر تحديداً، فإن القصة المخفية هنا تتعلق، على الأرجح، بطموح روسيا للعب دور أكبر في تمرير صفقة ما بين النظام وإسرائيل، مهما كان مستواها، أو عنوانها، باعتبار إسرائيل، بمثابة المقرر الأساسي في تقرير السياسة الأميركية إزاء سوريا، أو باعتبارها بوابة المرور لتعويم النظام عند الولايات المتحدة الأميركية. أما القصة المثيرة والمكشوفة هنا فتتعلق بتصرف روسيا “العظمى” إزاء دولة ليست عظمى بحجم إسرائيل، فهي لا تغضّ الطرف عن ضربات إسرائيل المتواصلة في الأراضي السورية، وحسب، إنما تبدي استعداداً للعب دور نابشي القبور، واستحضار أشباح الماضي وأشيائهم وكل ذلك كرمى لعيون إسرائيل!

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *