مأزق نتنياهو لن ينقذه ماكرون

مأزق نتنياهو لن ينقذه ماكرون


امير مخول – مركز تقدم للسياسات*

7/2/20232

تقديم : في العاصمة الفرنسية مساء الثاني من شباط التقى بنيامين نتنياهو الرئيس الفرنسي ماكرون، وعلى هامش الزيارة التقى ممثلين عن اليهود الفرنسيين ونخب اقتصادية ومالية .
تضمن جدول الاعمال من جانب نتنياهو، الملف النووي الايراني والتطبيع مع البلدان العربية، ومن جانب ماكرون ، الملفين الفلسطيني والاوكراني وكذلك اتفاق الغاز مع لبنان والوضع الاسرائيلي الداخلي.

التحليل:
انعقاد قمة من هذا النوع على وجه السرعة ودونما ظرف طارئ، فيه إشارة الى ان مجرد انعقادها هو جزء من أهدافها المركزية. وقد رشح من الاعلام الإسرائيلي بأن القرار بالزيارة قد تم اتخاذه في اعقاب اتصال الرئيس الفرنسي بنتنياهو للتنديد بعمليتي القدس وتقديم التعازي للإسرائيليين، نتنياهو قام بذلك على وجه السرعة كما أكد القناة 14 الاسرائيلية.
يسعى نتنياهو الى إحداث تغيير حاد في الرأي العام الاسرائيلي واشغاله بالقضايا الخارجية، بعيدا عن الأزمة الداخلية التي يقف في مركزها. واللافت انّ الراي العام منشغل بقضاياه الداخلية بعيداً عن الملف الايراني ولم يهتم ايضا بزيارة وزير الخارجية ايلي كوهين الى السودان في اليوم ذاته وضمن مساعي التطبيع وسياسات اسرائيل في افريقيا والتي كانت في السابق تشغل الراي العام المحلي.
لاحقت نتنياهو وعكّرت اجواء زيارته بيانات المستشارة القانونية للحكومة التي تحدّ من صلاحياته فيما يتعلق بإيجاد مخرج دستوري لإشراك رئيس حزب شاس ارييه درعي في اجتماعات الحكومة بعد ان أقصته المحكمة العليا، الامر الذي قد يعمّق الشروخ داخل الائتلاف الحاكم. كما تم استبعاد ياعيل غيرمان سفيرة اسرائيل في باريس من طقوس الاستقبال، والتي اعلنت استقالتها احتجاجا على حكومة نتنياهو.
• لقاء نتنياهو مع منظمات الجالية اليهودية الفرنسية والتي في المجمل وبخلاف قطاع كبير ومؤثر من اليهود الامريكيين تدعم اليمين الفرنسي والاسرائيلي على السواء وتعود جذور غالبيتها الى الدول المغارببة ، ولا تأثير كبير لهم إسرائيليا وفرنسيا مقارنة باليهود الامريكيين ومواقفهم.
• كما في كل محادثاته الدولية والعربية يتعمّد نتنياهو استبعاد تناول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بأي شكل كان. بينما تكشف لقاءاته الدولية الأخيرة وحصريا مع الامريكان والاوروبيين انه لا يمكن تجاوز الشأن الفلسطيني.
• بحسب التسريبات الصحفية الإسرائيلية ، شدّد ماكرون في لقائه على الموضوع الفلسطيني وحل الدولتين كما أكد على ضرورة تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، وعلى الموقف الثابت ضد توسيع المستوطنات وضم مناطق ج لإسرائيل، بالإضافة الى تخوفه من تداعيات الازمة الدستورية والسياسية الاسرائيلية. بخلاف توقعات نتنياهو والاعلام الاسرائيلي فقد اعتمد ماكرون خطاب المسؤولين الامريكان، وحذر نتنياهو من “الانقلاب القضائي” معتبرا مواصلة التمسك به بمثابة انفصال اسرائيل عن دمقراطيتها حسب تعبيره.
• في مقدمة جدول اعمال نتنياهو في باريس يقف الملف النووي الايراني، وهو يسعى الى اقناع اوروبا بعدم جدوى العودة للاتفاق النووي وثنيها عن ذلك. كما يسعى الى اعتماد مبدأ مقايضة الجبهات اي تغيير الموقف الإسرائيلي تجاه الحرب الأوكرانية، بينما يتوقع من اوروبا مساندته في الملف الايراني.
• حضر نتنياهو الى باريس ضعيفا داخليا، ساعيا وراء القبول الدولي بشرعية ائتلافه الحاكم مع الصهيونية الدينية، والذي يتناقض مع نظرة اوروبا ومصالحها، فيما يطمح ماكرون والذي يعتبر نفسه عرّاب الاتفاق الإسرائيلي اللبناني بشأن الحدود البحرية الى ضمان التزام نتنياهو بالاتفاق كما يشير الاعلام الاسرائيلي، في حين تدرك جميع الاطراف ان لا خيار امام نتنياهو سوى احترام الاتفاق.
• في الملف الاوكراني هناك تحوّلٌ ما في الموقف الإسرائيلي نحو دعم اوكرانيا بأسلحة استراتيجية وتدل التصريحات الاعلامية ان الحديث عن مسيّرات وهي بطبيعتها منخفضة التكلفة وكبيرة الأثر. وهذا يتوافق مع الموقف الفرنسي والاوروبي، الذي يتخوّف من تفاهمات مسبقة بين نتنياهو وبوتين. في هذا التحوّل مؤشر الى أن حاجة اسرائيل للتفاهمات الاستراتيجية مع روسيا بشأن سوريا لم تعد ذات قيمة عليا بعد التقديرات الاسرائيلية بتراجع النفوذ الايراني في سوريا نتيجة لضرباتها المتكررة ونتيجة لمؤشرات توتر سوري ايراني ناتج عن مسألة النفوذ وعن تدفيع سوريا ثمن النفوذ الايراني فيها، كما ترى اسرائيل بإمكانية ضبط وتيرة نفوذ إيران دون الحاجة الى التفاهم مع روسيا.
الخلاصة:
• من الواضح ان تداعيات الأزمة السياسية والدستورية الاسرائيلية القت بأثارها على حركة نتنياهو الدولية وبشكل خاص مع اوروبا والولايات المتحدة. فقد تحولت اولوية نتنياهو نحو كسب شرعية ائتلافه الحاكم.
• تتعزز القناعات الاسرائيلية والدولية بأنه لا مجال امام نتنياهو سوى تغيير ائتلافه الحاكم ، إذا ضمن انقاذا لشخصه من المحاكمة وضمن بقاء درعي في الحكومة. إذ يقدّر وزير المالية السابق واحد اقطاب اليمين المعارض افيغدور ليبرمان بأنها مسألة أشهر حتى يضطر نتنياهو للتخلي على شركائه في الحكم سموتريتش وبن غفير.
• لقاء نتنياهو مع مجموعة من رجال وسيدات الاعمال الفرنسيين، كان مسعى لا يمكنه ان يغير من قناعات القطاع الخاص المالي والاقتصادي الاسرائيلي السلبية تجاه التغييرات القانونية ولا يعادلها في وزنه.
• لن ينقذ ماكرون نتنياهو ولن تسعفه اوروبا التي قّلل من وزنها بشكل منهجي وخلال عقدين من الزمن، بينما يدفعه إليها مأزقه، بعد أن خاب ظنه في تلقي دعوة لزيارة واشنطن قريبا.
• كما ولا يتوقع الفلسطينيون من ماكرون المأزوم داخليا دورا استثنائيا، وهو ما لم يحققه لهم بلينكين في جولته الأخيرة.

 

*نشرت بالتنسيق مع الكاتب

Залишити відповідь

Ваша e-mail адреса не оприлюднюватиметься. Обов’язкові поля позначені *